سجلت موجات الحر في الصين وأوروبا وأميركا درجات حرارة قياسية حتى أن العلماء يرون أن عام 2023 سيكون الأكثر حرارة على وجه الأرض في التاريخ.
ورأت البروفيسورة هانا كلوك من جامعة ريدينغ أن جنوب إيطاليا والدول المجاورة بسبب ارتفاع درجة الحرارة أصبح يشبه فرن بيتزا ضخم.
ووفق صحيفة اندبندنت عربية فإن خبراء المناخ توقعوا موجات القيظ الحادة التي تضرب كل أنحاء الكرة الأرضية.
وتجتاح موجات حر تاريخية الكوكب من الصين إلى أوروبا والولايات المتحدة مع اقتراب عام 2023 بأن يصبح أكثر الأعوام حراً على الأرض منذ بدء تدوين الحرارة العالمية في سجلات.
وفي هذا الإطار، سجلت روما وكتالونيا الثلاثاء أعلى درجات حرارة لها على الإطلاق بحسب ما أفادت به البيانات المؤقتة في وقت تحكم موجة حر شديدة غير مسبوقة قبضتها على أوروبا وتتسبب في اندلاع حرائق الغابات.
ويتوقع علماء الأرصاد الجوية أن تسجل أوروبا هذا الأسبوع أعلى معدلات حرارة لها على الإطلاق فيما يتوقع أن تتجاوز درجات الحرارة في أجزاء من إيطاليا 48 درجة مئوية (118.4 فهرنهايت).
في غضون ذلك، سبق للصين أن سجلت أعلى درجات حرارة في تاريخها إذ بلغت الحرارة 52.2 درجة (125.9 فهرنهايت) في سانباو الأحد في وقت تضرب البلاد كوارث مناخية عديدة في آن معاً.
وفي اليوم نفسه، سجلت منطقة ديث فالي (وادي الموت) في الولايات المتحدة 53 درجة (127.4 فهرنهايت) ويقول علماء الأرصاد إنها تقترب من تسجيل رقم قياسي جديد لأعلى درجات حرارة تسجل على الإطلاق على الأرض وسط حرارة حارقة تسيطر على أجزاء واسعة من الولايات الجنوبية.
وتشكل هذه الهجمة الحارة من آسيا إلى الأميركتين الحلقة الأخيرة في سلسلة الظواهر المناخية المتطرفة التي شهدناها هذا العام إذ سجل الأسبوع الأول من شهر يوليو أكثر الأيام حراً على وجه الأرض فيما بلغت درجات حرارة المحيطات رقماً قياسياً.
وبحسب الخبراء، تسهم عوامل متعددة في هذه الحوادث المناخية المتطرفة بما فيها أنظمة الطقس الجامدة أو الراكدة وظاهرة النينو المناخية (تحول دوري في نظام المحيط والغلاف الجوي في المحيط الهادئ الاستوائي الذي يؤثر في الطقس في جميع أنحاء العالم) ولكن القوى الدافعة لموجات الحر مرتبطة بشكل أساسي وأولي بالأزمة المناخية.
وفي هذا السياق، يقول العلماء إن أنظمة الضغط المرتفع تسيطر على أوروبا ووسط آسيا وجنوب الولايات المتحدة مما يؤدي إلى اختبار هذه المناطق موجات حر شديدة، كما أن ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات بشكل غير مسبوق يسهم أيضاً في ارتفاع درجات الحرارة على اليابسة.
وتقول البروفيسورة هانا كلوك من جامعة ريدينغ بأن فقاعة الهواء الساخن التي تضخمت فوق جنوب أوروبا حولت إيطاليا والبلدان المجاورة إلى ما يشبه فرن بيتزا ضخماً.
وتابعت بالقول: "إن الهواء الساخن الآتي من أفريقيا يبقى من دون حراك الآن، مع ما يترافق من ضغط مرتفع مما يعني أن درجات الحرارة في البحر الدافئ واليابسة والجو تستمر في التزايد".
وفي سياق متصل، يقول الدكتور أكشاي ديوراس وهو عالم أرصاد في جامعة ريدينغ إنه في وقت يعتبر أمراً عادياً للنصف الشمالي من الكرة الأرضية أن يشهد موجة حر في هذا الوقت من العام، إلا أن درجات الحرارة التي نراها في أوروبا هي غير اعتيادية تماماً.
وأضاف إن موجات الحر طبيعية في النصف الشمالي من الكوكب في هذا الوقت من العام، ولكن درجات الحرارة التي نتوقعها في أجزاء من جنوب أوروبا خلال الأيام المقبلة هي درجات نراها غالباً في الصحاري الاستوائية أو البلدان الاستوائية المدارية كالهند وباكستان أو الشرق الأوسط خلال الصيف.
إن حدوث موجات الحر بشكل متزامن في مناطق مختلفة من العالم فضلاً عن حدتها المتوقعة يقع ضمن التأثير المتوقع للتغير المناخي على درجات الحرارة العالمية.
واعتبرت الدكتورة ميليسا لازنبي وهي كبيرة المحاضرين في التغير المناخي في جامعة ساسيكس بأن العوامل المناخية المتطرفة التي يشهدها الكوكب "هي تماماً ما كان يتوقعه علماء المناخ" نتيجة للأزمة المناخية التي تسبب فيها الإنسان.
وقالت الدكتورة لازنبي: "يشهد النصف الشمالي من الكوكب أثراً مشتركاً من التغير المناخي الطبيعي والبشري المنشأ مما يؤدي إلى حر شديد في القارات الثلاث الواقعة في النصف الشمالي من الكوكب".
وبحسب الهيئة العلمية العليا في الأمم المتحدة، أصبح العالم أكثر حراً بنحو 1.2 درجة مئوية (34.1 فهرنهايت) منذ عام 1800 بسبب غازات الدفيئة التي تطلقها في الجو عمليات حرق الوقود الأحفوري.
ويقول العلماء إن الحر الناتج من ظواهر طبيعية على غرار النينو تتصدر موجة الحر الحالية التي تشهدها الأرض بسبب انبعاثات غازات الدفيئة التي تؤدي بالتالي إلى رفع درجات الحرارة أعلى مما كانت لتسجل في عالم خال من التلوث الذي ينتجه الإنسان.
وأشارت الدكتورة لازنبي إلى أنه "هناك ظاهرة النينو متطورة فضلاً عن احترار إضافي من انبعاثات الإنسان، مما يؤدي بالتالي إلى درجات حرارة مرتفعة بشكل غير طبيعي مقارنة بما ستكون عليه الحال لولا وجود الانبعاثات البشرية".
وأضافت البروفيسورة كلوك في هذا الصدد: "ليس مفاجئاً أن تشهد أجزاء مختلفة من النصف الشمالي للكرة الأرضية موجات حر خلال أشهر الصيف، بيد أن الصورة ككل تدل وكأن تأثيرات تغير المناخ تحدث جميعها في الوقت نفسه كما توقع العلماء على مدى عقود. نعيش اليوم في خضم هذه التأثيرات عوضاً عن توقعها من خلال محاكاة عبر الحاسوب للمناخ المستقبلي".
وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) أطلقت تحذيرات في مطلع العام الحالي حول الاحترار غير المسبوق الذي ستشهده الأرض عندما تبدأ دورة النينو.
وقالت المنظمة إن هنالك احتمالاً 98 في المئة بأن "يكون عام واحد في الأقل من أصل الأعوام الخمسة المقبلة وفترة الأعوام الخمسة ككل الأكثر حراً على الإطلاق".
ولكن، منذ ذلك الحين، تم تحطيم عديد من الأرقام القياسية في سجلات الحرارة. حتى قبل بدء الظاهرة المناخية بشكل كلي وكثيف، كان شهر يونيو الشهر الأكثر حراً لكوكب الأرض بحسب "باركلي إيرث" Berkley Earth وهي منظمة مستقلة تعنى بتسجيل بيانات درجات الحرارة الشهرية.
وفي إطار متصل، قال الباحثون في المنظمة المستقلة التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها إنه يحتمل بنسبة 80 في المئة أن يكون هذا العام الأكثر حراً على الإطلاق على الأرض.
كما أن درجات حرارة المحيطات حطمت الأرقام القياسية مع أجزاء من شمال الأطلسي وخصوصاً المياه حول المملكة المتحدة وإيرلندا التي تشهد موجة حر بحرية "غير مسبوقة" سجلت فيها الحرارة ارتفاعاً بلغ خمس درجات (41 فهرنهايت) أكثر من المعتاد.
وقال الدكتور مالكولم ميستري وهو بروفيسور مساعد في الأنماط المناخية والنمذجة الجغرافية المناخية (climate and geo-spatial modelling) من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: "اكتسبت ظاهرة النينو زخماً منذ شهر مايو (أيار) من العام الحالي وبدأت تأثيراتها مع أنماط غير اعتيادية في درجات حرارة سطح المياه في المحيط الهادئ".
وأضاف أنه من المعلوم أن هذا الأمر بدوره يؤدي إلى زعزعة الأنماط المناخية الأوسع ليس فقط في المحيط الهادئ، ولكن أيضاً على مستوى العالم مثل شرق الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا وأفريقيا وآسيا.
ولا تزال ظاهرة النينو في مراحلها التطويرية وهي تبلغ ذروتها عادة في الأشهر الممتدة من ديسمبر (كانون الأول) حتى فبراير (شباط). ويقول العلماء إن مزيداً من الحوادث المناخية المتطرفة والحر ستكون في طريقها إلينا مع بدء هذه الظاهرة.
وقال الدكتور ميستري: "بحسب ما تظهره التوقعات الموسمية الحالية، من المتوقع أن تكتسب ظاهرة النينو زخماً أكبر وأن تستمر تأثيراتها على مدى ما تبقى من العام".
وبحسب الدكتور ديوراس، لا يزال النينو ضعيفاً وفي مراحل تطوره الأولى. ويضيف قائلاً: "سيصبح تأثيره في الأنماط المناخية العالمية أكثر قوة وحدة خلال الأشهر المقبلة".
وتأتي موجة الحر هذا العام كتكرار للكارثة التي شهدها العالم العام الماضي في القارات الثلاث عندما عانت كل من آسيا وأوروبا والولايات المتحدة قيظاً شديداً.
ويقول العلماء في هذا السياق إن موجات الحر تصبح متواترة ومتواصلة بشكل أكبر ويشددون على ضرورة اتخاذ التدابير الفورية لحماية السكان الأكثر ضعفاً والحد فوراً من انبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبب في رفع حرارة الكوكب.
تقول فيكي تومسون وهي عالمة في إحصائيات المناخ في معهد الأرصاد الجوية الملكي في هولندا: "أظهر العلماء أن مثل هذه الموجات الحارة تترافق في كثير من الأحيان مع تغير المناخ، ومع ظروف النينو هذا العام من المحتمل أن نشهد مزيداً من درجات الحرارة القياسية في الأشهر المقبلة. ستستمر موجات الحر بالتزايد من حيث الحدة والتواتر والمدة ما لم نقم بتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بشكل جذري".